سبهان آدم وطلائع الجيل الناشئ


أنطون المقدسي

سبهان آدم وطلائع الجيل الناشئ

<< سبهان آدم >>

و طلائع الجيل الناشئ

أنطون مقدسي

كان الإقبال جيداً على معرض الفنان سبهان آدم و على اقتناء قطعه الفنية كما فهمت من المركز الثقافي الفرنسي الذي فتح صالته عن طيب خاطر( أواخر آذار و الأسبوع الأول من نيسان) للوحات هي بالـأحرى قطع-لوحات قلما ترغب دور العرض فيها و كنت شخصياً أتوقع مسبقاً أن يكون المعرض فريداً في جنسه منذ أن وقع نظري على الاسم. فثمة فنان آخر من الحسكة أو القامشلي كان منذ حوالي سنتين تحلى بهذه الفرادة. و هذا ما شجعني على أن أنصح أصدقائي من الهواة بزيارة المعرض. و لكن من المؤسف حقاً أن ظروفي الصحية الطارئة ألزمتني غرفتي فترة من الزمن فلكم أدرك المعرض إلا قبيل نهايته بساعات و كنت أود أن أزوره اكثر من مرة و على فترات زمنية متباعدة فالصحف السورية التي زار المعرض العديد من محرريها الفنيين أكثر من مرة و العديد من أصدقائهم لم يذكروا الفنان و معرضه لا نقداً و لا إطراءً.

التي أنصفته حقاً المشرفة على معارض المركز الثقافي الفرنسي فقد كتبت على بطاقة التقديم:

"ينبع من هذا التصوير المدهش حيوية جبارة، منعشة، معدومة الخطر، عنيفة عدوانية لكأنها عدوانية انسان سلخ جلده...

توازن بهلواني على درجة من الهشاشة لا يمكن إلا أن يشدك إليهن يسحرك، و معاً يبعث فيك الاضطراب... فما الذي سينتج عن هذا الصراع؟

أأقول أن سبهاناً واحد من جيل جديد جل أفراده شباناً و شابات من كتاب الرواية و القصة و الشعر... لكل منهم شخصيته رؤيته اشكالاته و طرقه المسدودة و قلما يعرف أحدهم الآخر.

ما القاسم المشترك بينهم؟ لا أدري جل ما استطيع قوله هو أن انساناً آخر غير أناسين الأجيال السابقة، يتكون على مرآى و مسمع منا فيصطدم حال تكونه بجدار قد يعتقد مسبقاً أنه سيتحطم عليه.

قلت: أهو جدار السلطة الثقافية ام المجتمع الاستهلاكي؟

التفاوت الطبقي الذي لم تعرف له البلاد العربية مثالاً في تاريخها أم الصراع على البقاء... المجتمع الذ ي هو باستمرار على شفى الفوضى أم المعني الكبرى الناظمة للوجود الذي توضع الان موضع شك و تساؤل...و رفض...؟

كل هذه دفعة واحدة و شيء آخر...! فالبقاء ليس للأصلح بل ربما للأقل وعياً و أكثر صفاقة، إنه زمن الانتهازي هذا يتاجر بتعب الناس بعقولهم بأشخاصهم و شرفهم اذا اقتضى الامر.

عندما عرف الرجل أنني في الصالة بعث يطلب مني أن أكتب له كلمة على ما على دفتره الخاص.(بكل طيبة خاطر) أجبت و أسأله عندما التقيته: ما دلالة أو دلالات معرضك هذا؟

القرف...الانسان مقرف و أنا مقرف قال.

لم يتردد لحظة فالكلمة جاهزة سيفرضها عليك سألته أم لم تسأل. و أتصرف كما لو أن الجواب طبيعي منطقي.

غريب شاب في بداية العشرينات من عمره، أسمر اللون، معتدل القامة، جميل في حركاته رشاقة الشاب الواثق من جاذبيته و من قدرته على التلاعب بعوامل اللون و الطبيعة تزين محياه ابتسامة طبيعية و ان كانت مدروسة فلا يمكنك الا ان تحبه أية كانت مفارقاته او افتعاله المفارقات في الكلام كما في الفن.

تعمد أن يقدم نفسه لزميلتنا و يطلب منها أن تعرفه بنفسها عندما أنهت جولتها الأولى في المعرض و اضاف بعد افتتاحية (القرف)

" الناس كلاب و أنا كلب..." فأشاحت بوجهها عنه معتذرة و قالت: دعني انعرف الى فنك دون أي فكرة مسيئة تشوهه" و اصر على أن يكتب بخط يده على ورقة التقديم التي كانت بيدها:

"عزيزتي شكرا جدا لحضورك في هذا العالم اللا جيد و و المقرف..."

قال: أنا لا يهمني أن يعرفني الناس و لا ان يكتبوا عني. الدعاية ليست من شأني يعنيني أن ابيع فأهلي فقراء... و يكتب في التعريف عن ذاته: " انا الابن قبل الاخير لعائلة مؤلفة من 11 شخصاً أثرت فيي عند بداية تمويني والدتي العراقية الاصل و من حليبها استمد حبي للارض ... بين الخامسة و السادسة من عمري اكلت التراب حتى شارفت على الموت..."

و يضيف: " في زمن سابق كان تعلقي بالحياة و موجوداتها كبيرا.

فالروحانيات مشتركة و مخزون الحب دائم.

انقلبت أشياء عديدة فلم تعد تهمني الحياة و لا التغير و لا الحماسة. فآلمي تحجم و أصبح سميكا من حافة لساني إلى منتصف القلب زائداً في خراب الدورة الدموية"...

"كره الحياة" تلك حكمته اليوم و لا شعار آخر و في الوقت ذاته الاقبال عليها بنهم على ما يبدو...

كتبت له في جملة ما كتبت "كره الحياة نمط من أنماط التفاعل و حبها قد يصير يوما عكسه و لم لا؟"

الحق انني لا اعرف ضمن حدود ما اعرف، فنانا تشكيليا دفع بتعرية الذات ... ذاته و الذات الانسانية... و بالصراحة في التعبير عن موقفه إلى حد الافتعال و السادية، ك/سبهان آدم.

و يسأل صديقي: و ماذا بالنتيجة عن اللوحات؟

فأقول: أهي لوحات أم ماذا؟

إنها قطع فنية ، تساءلت للوهلة الاولى ما اذا كانت ضربا من ضروب فن النفايات الذي كان رائجا في الغرب بين الستينات و السبعينات؟

و أجيب ذاتي على الفور: كلا ففن النفايات كما اذكره عندما رأيته للمرة الاولى في هافانا بداية عام 1968 يقوم على تجميع نفايات فعلية (بعض حطام سيارة مثلا او بقايا مكانس مهترئة...)

اما اعمال سبهان فقطع فنية بالمعنى الدقيق و الكلاسيكي للكلمة: لا يربطها بفن النفايات سوى طريقة عرض بعضها ، فقد وضعت اثنتين اثنتين على سيبة و شدت قماشة كل منها خياطة على جهاتها الاربع بابرة كبيرة و خيط من القنب.. و تثبتها على الارض حجارة عادية كبيرة نسبيا حتى ليكاد يكون الاخراج شبيها بخيام البدو الرحل. و لكنك تنسى بسرعة هذا الخراج المسرحي (السينوغرافي) المسبق الصنع عن سابق تصور و تصميم عندما توجه ناظريك فترة من الزمن هي فترة انتباه تضعك في قلب جمالية اللوحات الاسرة.

-عالم أشباح! يقول صديقي للوهلة الأولى:

ربما دمى! أجيب و أتراجع على الفور لأتأمل و افكر: قاع احمر في العدد الاكبر من اللوحات و في البعض الاخر رمادي حائر بين الاخضر و الازرق، قلت في نفسي لمسات لونية تكاد لا ترى تلويناتها. لكأنها احياناً حقل ألوان تحركه نسمة ناعمة جدا.

و ترتسم على القاع بلون حنطي دوما حائر" اشكال متعرجة" تظن للنظرة الاولى انها عظام انتزعت من هيكل الجسد العظمي و قد تكون بقايا هيكل عظمي تناسقا مع العرض تناسق يوحي للفنان ذاته بصورة القرف يرميها في وجه كل منها و ربما في وجوه الزوار الذين أتوا قبلنا و يلاحظ الفنان أن زوار الساعة الاخيرة لسنا من زبائن الشراء فيمعن في الصاق النعوت المحفرة بذاته و بالانسان. فالحق اذا كان بجانب زميلتي عندما قاطعت أقواله بلهجة قاطعة: دعني و شأني.

فأنا هنا لأرى فناً لا لأسمع تعليقات. كما قد يكون تفسيرها هو الأقرب إلى الصواب. فقد رأت في هذه الأشكال التي اعتقدت أنها بقايا هيكل عظمي صورة لانسان متسقة تماما مع القاع و مع العرض.

هذا الوضع العام لسبهان آدم هو الذي أوحى للمعلقة الفرنسية و هي جاهلة بكل شيء عن بيئتنا الثقافية و عن مناخ كتابنا الروحي بصورة التوازن البهلواني الهش يشدك إليه و يبعث في نفسك الاضطراب كما تقول مع أن الفنان مزود بحيوية جبارة كما تقول أيضاً.

و المرأة أسرع إلى التقاط الجمال حتى لو كان هشا من الرجل الذي تستأثر بحساسيته المفاهيم المجردة و الأحكام العقلية التي كثيرا ما تكون هي ايضا مسبقة الصنع.

و الحق أن شخصية سبهان هي التي استأثرت بي اكثر من قطعه الفنية فالرجل بحاجة الى انسان يثق به و يرسخ فيه قناعته الرجراجة بفنه. و كم كنت اود أن أطلب منه تجاوز عقدة الفقر التي انزلق معها عدد من الكتاب الموهوبين حقاً فعطل أو هشم قدراتهم الفنية.

و اتساءل الآن بعد شهر تقريباً من زيارتي للمعرض: أهي مسرحة أم أن الرجل بتحقيره لذاته وللعالم الانساني يعبر عن وضع روحي- اجتماعي يتعثر في ادائه فيصير سادياً؟

ليست هذه حالك وحدك يا صديقي!

فلدينا في مديرية التأليف و الترجمة بوزارة الثقافة مجموعات قصصية شعرية و روايات مؤلفوها و مؤلفاتها ك سبهان آدم جلهم بين العشرين و الثلاثين من العمر نشرنا و ننشر عدداً منها لاعتقادنا في المديرية انها واعدة فنيا لا بل انها فنيا أبعد مدى من بدايات الجيلين السابقين، جيلي بعد الحرب العالمية الثانية.

و ستفقد نصوص الشبان و الشابات قيمتها الأدبية العالية من فرادتها التي سوف يمضي زمن طويل قبل أن تكتمل و فرادة صاحب كل منها، رؤية للعالم و اسلوبا لأداء هذا العالم. في كل منها بالأحرى قدرة على الإيحاء تستأثر بك و تجعلك تقطع معها شوطاً على درب الحياة. في هذه النصوص السريالي و العبثي و عدد كبير منها يقحمك في مناخ أسطوري ممعن احياناً في شطحاته الخيالية إلى حد يجعلك تعتقد أن صاحب النص ضاع في متاهته: و عدد كبير آخر هو في بحث على درجة عالية من الفنية من عالم يبدأ في التكوين على مرأى و مسمع منك.

و هو يشركك في عملية التكوين هذه و قد ينطوي بعضها على استحالات خارقة تكاد تحاذي عالم السحرة ... و مع ذلك فعندما تنتهي من رحلتك مع العديد من هذه النصوص تلاحظ أن دلالاتها الأخيرة و الأعمق انسانية. انسانية خالصة لا تشوبها شائبة.

و الحق أن كل أديب جدير بهذا اللقب الرفيع. يشكل لذاته عالماً كاملاً و متكاملاً فريداً من نوعه. قد تقول من الطبيعي أن يكون عالم الجيل الناشئ غير عوالم الأجيال السابقة عليه و الحق معك و لكن الذي يستوقفني شخصياً في هذه العوالم (الناشئة) التي أتمنى من كل قلبي أن يتكامل بعضها فيضاهي عوالم الأدباء السابقة (جمالاً و أصالة) هو أن كلا منها في خلفياته الأعمق بحث أحياناً لاهث عن انتماء و سؤال ملح عن هوية، هوية أو انتماء يعجز صاحب النص أو اللوحة عن اكتشافه فيقف و يوقفك معه. فالنص يشكو من ضعف الخاتمة.

البحث أو السؤال هذا صار أو يكاد و يصير عالمياً منذ حوالي ربع قرن على ما أعلم، بدليل أن الدراسة الفلسفية و السوسيولوجية أخذت تركز اكثر فأكثر على مشكلة الهوية الاشكالية، و كل دراسة هي أيضاً بمثابة شق طريق إلى جواب ممكن.

و الواقع أن المرحلة من تاريخنا و التاريخ العالمي التي بدأت مع أواسط السبعينات و سوف تتزايد فتنتها للشباب و الشابات في العالم كله إلى ما شاء الله. لا مثيل لها في ماضين القريب أو البعيد من حيث استثارتها للانفعالات و الانفعال يتركز كما هو معروف، في الجسد و على الضبط في المنطقة من وجودنا الواقعة بين الجسد و الشعور حيث تبدأ الاستثارات الجسدية، فالعلاقة الجسدية بين الرجل و المرأة هي اليوم في نقطة المحور من اهتمام العالم شباباً و شابات من أعمار مبكرة أحياناً و دارسين و باحثات في مراكز البحث العلمي الكثير لدى الدول المتقدمة.

و عوامل الاستثارة يعرفها الجميع و هي:

  1. المجتمع الاستهلاكي الذي تتزايد بسرعة فيه فنون الاغراء و بسرعة تنتقل من المدن إلى الأرياف.

  2. (الستالايت) كما يقولون او كما اسميه شخصيا (ديمقراطية الستالايت) ان المسائل التقنية الحديثة المتطورة بسرعة مذهلة تضع امامك و على شاشة جهازك التلفزيوني فنون "البونوغرافيا" العالية الاتقان . يكفي أن تضع اصبعك على مفتاح محدد و تقول: افتح يا سمسم فإذا تشاهد فنون اللذة لا كما كانوا يقولون قديما، لا عين رأت و لا أذن سمعت فكل عين اليوم ترى و كل اذن تسمع!

    و عليك أن تحول الصورة الى واقع ملموس معاش اذا أمكن!

    المرأة حاضرة غائبة في مجتمعاتنا لا تتهم بالحجاب الشرعي شفافا كان أم كثيفا، فهو أيضا من وسائل الاغراء الذي يعوزك هو الجرأة للاتصال بجارتك او زميلتك، الحق أن الحاجز بينك و بينها هو تحريم قديم صار جزءا لا يتجزأ من كيانك و كيانها. و لا ننس أن الحياة الاجتماعية بدأت في سالف الازمان عندما تمكن المجتمع من تنظيم علائق الزواج، فالسؤال المطروح على الشاب و الشابة عندنا اليوم و غدا و إلى ما شاء الله هو:

    أأتجاوز هذا التحريم-الشرعي- حقاً فاسهم ف تعميم فوضى بدأت تستشري في هذا المجتمع أم أقف موقف الانسان العاقل و العالم بمسؤولياته؟

    قال: أهي مسؤولية فردية؟

    قلت: بلى مع الاسف اليوم و حتى تجد الجماعة توازنها بين هذا التعارض الذي يجذبها مرة نحو اليمين و مرة نحو اليسار تارة نحو القديم الأقدم و طورا نحو الحديث الأحدث... حتى لكان قوة مغفلة تحركها و هي تتبع غافلة عن الواقع الحائر باستمرار.

  3. الأحاديث المتداولة بين الشباب هي والشائعات كثيرة عن علاقات بين شباب و صبايا: هذه لهذا و تلك لذاك. و كل شاب يروي. بالأحرى يلمح ليجعلنا نعتقد لأنه (دون جوان) حقيقي و كلها أقاويل فيها بعض الوقائع و الكثير من الخيال. و لكنها تجعل كل شاب يعتقد أنه مقصر و كل صبية أنها قد تكون لا مرغوبة.

    لقد خاب سعي الشيوعيين عندما ظنوا ان الغاء الملكية الفردية للثروة المنتجة يمكن ان ينتزع من النفوس التحريمات الدينية- السحرية فيحل محلها قواعد سلوكية عقلانية و لكن في النظام الاشتراكي كما في النظام الليبرالي بثيت المرأة مرأة و الرجل رحل و المجتمع القوي قويا و المجتمع الضعيف ضعيفا

    هذا البحث متاهة لن أضيع فيها فالذي يعنيني الان هو الكشف جهد المستطاع عن واقع لاشباب العربي الناشئ اليوم وعن مستقبله. و ضمن الحدود التي تمكنت معها من ان اتعرف اليه جعلتني اعتقد انه يعاني من علتين اساسيتين في وضع ما تصيران متكاملتين:

    ضعف الرصيدين الثقافي و المالي.

    شخصيا لم يعد لي امل بالمدرسة العربية كل درجاتها لانها تبدو و كانها جعلت لترسيخ الايديولوجيا الرسمية- المتبدلة من قطر لاخر في عقول المواطنين من كل الاعمار و في وضع كهذا تصير الثقافة بالمعنى الدقيق للكلمة وسيلة بالقياس إلى غاية اخرى. فالموهبة لا يمكنها حتى لو بلغت درجة العبقرية ان تنتصر على هذا الوضع السادي الا بالتضحية باهظة الثمن الى حد لا يمكنك ان تطلب من كل اديب او فنان أن يقدمها فإذا كان في المدرسة تلميذ او طالب ناجح حقا و عن جدارة او متفوق فبسبب من جهده الخاص و من الصعب ان تكتسب اللغة أو اللغات الاجنبية التي هي طريقنا الى العالم الا بجهد خاص.

    و من ثم فإن عالم الليبرالية مطلقة كانت ام محدودة هو عالم التاجر الذي نعرفه عالمه عالم فولاذي القيمة الاعلى المهيمنة عليه هي المصلحة الخاصة و السبيل الملكي الى تحقيقها هو المال فكل موجود انسانا كان ام حيوانا ام شيئا شعرا ام قصة ام فلسفة فنا تشكيليا ام تحفة فنية... حتمية كانت ام معنى من المعاني الوجود الكبرى كالخير و الجمال و العلم...

    سبعة خاضعة لقانون العرض و الطلب الذي يحدد سعرها بالدولار و بالعملة المحلية.

    فالأديب في عالم التاجر كأي انسان اخر ليس قيمة بذاته فوق كل اعتبار مادي بل سلعة على العموم كاسدة في العالم المتخلف مالم يتحول الى اعلامي او صحفي او تابع لسلطة معينة يسبح بحمدها.

    فالذي علة الاديب او الفنان او الدارس وعيه هوان العمل الفني او الادبي أياً كان جنسه، يستمد قيمته الفنية من مجانيته و المجان في عالم التاجر لا شيء.

    فهل تستطيع ان تتجاوز التاجر الكامن في كل منا؟ هل تستطيع ان تتجاوز ذاتك باستمرار؟ ذلكم هو السؤال الذي على الاديب و الفنان ان يطرحه على ذاته، و على كل شاب و شابة أيضا أن يطرحه على ذاته: أهي الثقافة قيمة بذاتها فادفع ثمنها ام انها وسيلة اتزود منها بما يمكنني ان احقق مصالحي الشخصية؟

    تلك اسئلة أطرحها على ذاتي و على الشباب و الشابات كل مرة أراني أمام مسألة فنية أو حياتية.

    وايضاً مرة أقول: تلك اسئلة اكتفي الان بالاشارة إليها و اتمنى لو ان ظروفي تمكنني من ان اعالج البعض القليل من جوانبها...

    قال: لقد أطريت فنية سبهان آدم فما الذي تقصده بكلمة "فن" أو "فنية” التي كثيرا ما ترد في كتاباتك ؟

    قلت: أياً كان موضوعه و جنسه فالتعبير و كل تعبير و كذلك التشكيل محاولة لاستقطاب الجمال و جعله مرئياَ.

    قال و الدراسة أيضاَ؟\ قلت: و لم لا؟ فاستقطاب الجمال له مجالات كثيرة مختلفة قال: و ما الجمال؟

    قلت: معنى من معاني الوجود الكبرى. هذه المعاني لا تعرف لأن كل تعريف يستند ضمنا أو صراحة إليها، هي مطلق و التعريف نسبي.

    هذا ما رآه صاحب "المأذبة" أقصد أفلاطون فحوار المأدبة المكرس لتمجيد الهة الحب، يضع الحب في خدمة الجمال و الجمال كما يقول صاحب المأدبة سر من أسرار الكون الكثيرة تعرفه عندما تضع ذاتك و فنك في خدمته و معرفتك به متناسبة مع تضحياتك في سبيله.